إن الطرق المستعملة اليوم لاستخراج زيوت العطر تقوم على الأسس القديمة المتمثلة في الحل بالنقع، العصر، والتقطير. و"الخلاصة النقية " عبارة عن عصارة يتم الحصول عليها بواسطة مذيبات تطايرية أو بواسطة النقع الزهري. وتعتبر الخلاصة النقية هي المادة العطرية الأكثر نقاوة، حيث تحتفظ بمعظم المكونات العطرية للنبتة. وكثير من التقنيات الحديثة تنحدر من تقنيات تلك الحضارات العتيقة.
الحل والنقع
هذه التقنية عالية التكلفة جدا، وهي نادرة الاستعمال في أيامنا هذه. ولقد وصلت إلى ذروتها عام 1860 وصنعت شهرة مدينة جراس [الفرنسية]. وهي عملية تتطلب جهد بدنيا مكثفا وتعطي أجود أنواع الخلاصات النقية إذ لا تُستعمل فيها الحرارة؛ ذلك لأن الحرارة دائما تغير العطر. وتُستعمل مع الأزهار الرقيقة التي لا تستطيع تحمل درجة الحرارة العالية والتي تستمر في إطلاق الزيوت الأساسية بعد قطفها.وكمثال على هذه الأزهار، نذكر الياسمين، البنفسج، مسك الروم، والورد.
ويعود تاريخ النقع الزهري إلى آلاف السنين، إلى قدماء المصريين.ويقوم على مبدأ أن الشحوم تمتص الروائح.فالأوراق التويجية أو الأجزاء العطرية الأخرى للنبتةِ تُنقع في الشحم أو الزيت غير المتطاير والذي سيمتص طيبها. ويتم وضع خليط من شحم الخنزير وشحم البقرِ ثم يُلطّخِ به صحنِ زجاجيِ موضوع في إطارِ خشبيِ يدعى الهيكل. وتوضع الزّهور على الشحم وتُتَرك لتُطلقَ زيوتها لعدة أيامِ. وكانت تُكرر هذه العمليةِ عدة مرات باستعمال رؤوسِ الزّهور الطّازجةِ حتى يتم امتصاص كامل الشحم مع الزيت الأساسي، و تُعرف المادة الناتجة باسم "المرهم". ثم يتم بعد ذلك استرجاع الزيت من الشحم وذلك باستعمال مذيب كحولي. ويُخْلطُ هذا ميكانيكياً مع الكحولِ لمدة تصل إلى أسبوعِ واحد، ويُبرّدُ إِلى 68- درجة فهرنهايت [55.5 درجة مئوية تحت الصفر] .وتذوب الزيوت الأساسية في الكحولِ بعكس الشحم. ثم يُبرّدُ الخليطَ ويُرشّحُ عدة مرات لإزالة كل الشحم. بعد ذلك يُبخر الكحول للإبقاء على الخلاصة النقية. وفي أيامنا هذه ، تتم عملية النقع أحيانا بتبليل القماشِ بزيت الزيتونِ أو البرافين السّائلِ [وهي مادة دهنية تستخرج من الخشب والفحم الحجري والبترول وتستعمل في صنع الشموع]، الذي يُوضعُ على الإطاراتِ بدلاً من الشحم، وتُعرف الزيوت المعطرة الناتجة باسم "الزيوت العتيقة".
أما الحل بالنقع فهو مشابهُ للنقع الزهري. ويستعمل الحل بالنقع لاستخراج الزيوتِ الأساسيةِ من المكوناتِ الحيوانيةِ، الفانيلا، والسوسن. ويتم ذلك بغمس هذه الموادِ في أحواضِ من الزيت حتى تذوب الأجزاءِ العطرية. ويمكن أَنْ يُسخّنَ الزيت لتسريع العمليةَ. وتأخذ عملية الحل بالنقع هذه فتراتَ طويلةَ من الوقتِ (أحياناً عدة سَنَوات).
العصر
العصر هو تقنيةُ بسيطةُ حيث تُضغط قشورُ ثمارِ الحمضياتِ باردة لاستخراج زيوتها الأساسية باسْتِعْمال الدّحروجاتِ أو الإسفنجات. ولأنه لا تستعمل الحرارة هنا، فإن رائحة الزيت تبقى قريبةِ جداً من رائحة النّبتةِ الأصليةِ. وكان قدماء المصريين يجمعون الزهور في كيس من قماشِ ثم يُلوى الكيس حتى يخرج الزيت على شكل قطرات. وفي إيطاليا، يُستخرج زيت الليمونِ أيضا من حين لآخر بعمليةِ تُدعى الجفنة.
التّقطير
التّقطير هو الطّريقةُ الرئيسيةُ المستعملة لاستخراج الزيوتِ الأساسيةِ. ويقوم التّقطير على مبدأ وهو أنه عندما توضع مادة نباتية في الماءِ الغالي، فإن الزيت الأساسي فيه سيتصاعد مع البخار. وبعد أن يتكثف البخار والزيت، سينفصل الزيت عن الماء، ويمكن تجْميعه. وتَسْحقُ النّباتات لكي تُطلق زيوتها. وتَغْلى النّباتات في الماءِ، فتتبخر الزيوت الأساسية وتَرتفعِ مع بخار الماء.ويتم التقاط الأبخرةَ ثم تُترك لكي تتكثف مرة أخرى إلى سوائلِ. بعد ذلك، تُصب الزّيوتَ الأساسيةَ في قواريرِ فلورينتين. ونحتاج من خمسة إِلى ستة أطنانِ من الورودِ للَحْصول على كيلوغرام واحد من الزيت الأساسيِ. وفي الطرق الحديثة أيضا، يتم وَضْعَ النّباتاتَ على شاشةِ وتمرير بخارِ خلالها.
الاستخراج باستعمال مذيبات تطايرية
تُستعملُ هذه الطّريقةِ مع الزهور الضعيفة التي تفسد روائحها بالحرارةِ العاليةِ الضرورية لَغلي الماء. ويتم استخلاص الزيوت باسْتِعْمال مذيبات ذات درجة غليان أدنى من درجة غليان الماءِ.وهناك مواد متعدّدة، مثل الإثير أو النفط الممتاز، التي تتبخر بشكل سريع، تُستعملُ في العطارةِ الحديثةِ لإذابة الزيوت الأساسية وفصلها عن النبتة العطرية والمواد الحيوانيةِ. وتتمثل الطريقة العادية في وَضْع المادةَ العطريةَ على صحون معدنية مثقّبةِ في حاويةِ (النازع) ويتم تمرير المادة المذيبة فوقها ويُوجه إلى انبـيق [وعاء للتقطير]، حيث تتبخر، وتترسب كتلة نصفَ صلبة تعرف باسم المادة المتصلبة، والتي تَحتوي على الزيت الأساسي وكذا الحامض الإستياري.و يُمكنُ عندئذ فصل الزيت عن الحامض بطريقة الاستخلاص باستعمال الكحول بواسطة "درّاسة"، فينتج عن ذلك مادة تسمى الخلاصة النقية والتي تتمثل في الزيت الأساسي وهو الشكل الأكثر تركيزا والأكثر نقاء.
وإضافة إلى هذه التقنيات، هناك عملياتُ أخرىُ متعدّدةُ مثل التصحيح، التقطير الجزئي، النزع، وإزالة الألوان، إلخ، والتي من شأنها تحسين وتنقية المواد الخام العديدة المستعملة في المزج وتشكيل العطورِ.