تماما مثلما يحتاج الموسيقي إلى رهافة السمع، فإن العطرجي يحتاج إلى حاسة شم جيدة. ذلك إن حاسة الشم لدى العطرجيين يجب أن تكون قد خضعت لأفضل تدريب، ويجب أن يكون هؤلاء على مستوى عال جدا من الوعي بمهنتهم. كما يجب أن يكونوا ذوي خيال واسع ولديهم معرفة جيدة بعلم الكيمياء. فمبتكرو الطيب، المعروفون باسم "الشمامين"، يحضون بأسمى آيات التقدير في عالم صناعة العطور، و رأيهم هو القول الفصل فيما يتعلق بقبول أو رفض أي عطر.
يتم اختيار العطرجيين بطرق متعددة. فلكل شركة طريقتها الخاصة المختلفة. وبصورة عامة ، يظل المترشحون خاضعين لفترة تدريبية كمتمهنين لفترة لا تقل عن ست سنوات ، وقد لا يترقون في درجات السلم المهني أبدا ، وإذا ما حصل ذلك فإنهم يصبحون عطرجيين مؤهلين ، ويستطيعون تسلق السلم المهني ، ويتوقف ذلك على مدى نجاح إبداعاتهم.إن الشرط الأساسي الأول ليصبح المرء شماما يتمثل في قوة حاسة الشم لديه وحدتها.فالعطرجيون لا يجب عليهم فقط أن يتمتعوا بالقدرة على التمييز معصوبي العينين بين رائحتي الوردة و زهرة الخزامى، بل يجب أن تكون حاسة الشم لديهم حادة جدا بحيث يستطيعون اكتشاف المقادير الصحيحة للمواد المختلفة التي دخلت في تركيب صيغة خليط مشكل من 100 أو أكثر من المكونات.
فهم يجب ألا يكتفوا فقط بقدرتهم على التعرف على مختلف المواد الخام، ولكن يجب عليهم أن يكونوا قادرين على مزجها بحذاقة وبطريقة منسجمة. ويجب أن يكونوا قادرين على التفريق بين زيوت نفس الصنف من النبات المزروع في دول مختلفة ، وما هو النوع الذي يحقق نتيجة معينة. فزيت الخزامى ، على سبيل المثال ، يمكن أن يكون له شذا أوليا زهريا، بلسميا، حادا، طيّبا، أخضر، أو بنكهة الجوز.فالشمام يشبه نظيره في مجال صناعة النبيذ، حيث يستطيع الخبير المتمرس أن يتعرف في لحظة وجيزة على منطقة ونوع العنب، وكذا عمر النبيذ الذي يقوم باختباره.
إن العطر الرائع بحق لا يُصنع على عجل. ذلك إن العطور المنتجة صناعيا يمكن خلطها باستعمال صيغة عادية في فترة زمنية قصيرة، لكن الإبداع الأصيل لإنتاج عطر جميل قد يحتاج إلى سنوات لتحقيقه .فإذا كان للفنان صورة في ذهنه والتي يريد ترجمتها إلى أريج، فإن ذلك يحتاج إلى عدة أسابيع وشهور. فالعطرجي ينهمك في عمله وهو محاط بعدد لا يحصى من القنينات والقوارير والجرار، وكل واحدة منها مملوءة بزيوت أساسية ثمينة ومواد أخرى.
وأثناء عملية الخلط، يتم غطس أجزاء صغيرة من ورق النشاف، بشكل تام لفترة طويلة في المحلول، ثم توضع جانبا لتجف. بعد ذلك، يتم تشمّم القطع الورقية الواحدة بعد الأخرى بشكل دوري، لتحديد ما يجب إضافته بغرض الحصول على تركيب مثالي وإتمام تشكيل العطر.
وتماما مثلما يقوم الرسام بنشر الصبغة فوق القماش ثم يتراجع إلى الوراء لينظر إليها متفحصا ومختبرا إياها ليتأكد عما إذا كانت هناك منطقة بحاجة إلى مزيد من الضوء، أو أن اللون الأرجواني يحتاج إلى قليل من اللون الأزرق، فإن العطرجي الفنان يقوم بالاختبارات بنفس الطريقة. فربما تكون هناك حاجة إلى كمية ضئيلة من الياسمين لإضفاء شيء من الرقة، أو إلى مقدار ثقيل بعض الشيء من الأريج لإضافة مزيد من التميز إلى عطر لكيلا يصبح خفيفا جدا، هذا هو ما يقرره العطرجي.
ويتم اختبار العطر بشكل متكرر أثناء عملية تشكيله، وضمن ظروف متغيرة.هل هو نفسه في الصباح الباكر كما هو عند الغسق؟ هل يتغير الأريج بسبب ظروف الطقس؟هذه الاختبارات وغيرها كثير يتم القيام بها قبل أن يُعتبر العطر منتجاً جاهزاً.