تاريخ العطور

كان العطر، في نهاية القرنِ، يأتي أساسا من طيب الزهور المنفردة. وكان الطلب على الورود، البنفسج، الليلك، وزنبق الواديِ كبيرا.  وقد عُرفت أنواع شذا الباقة الزهريةِ في نهاية العقدِ الأولِ كمركّباتِ، وقد وُجدت للمساعدة في تجميع العطور مع بعضها بعضا. وفي ما بعد، عُرفت العطور التجريدية والتي لم تكن لها أية علاقة بالمجموعة الزهرية أو الباقة الزهرية المنفردة. ولقد أحدث هذا التقدم ثورة في مجال صناعة العطور. واليوم، أصبحت العطور تتجه نحو المزيد من التعقيد، مع العديد من أنواع الشذا ومشتقاتها والتي لم تكن معروفة قبل اكتشافِ المواد العطرية الكيماوية.
وبسبب نشاطاتها التجارية المتنامية في أزهار الياسمين، والبرتقال، والورد، فرضت مدينة جراس إن بروفينس Grasse in  Provence  [فرنسا] نفسها كأكبر مركز لإنتاجِ المواد الخامِ. فلقد تم وضع القوانين الأساسية الخاصة بصانعي العطور في مدينة جراس عام 1724.وأصبحت باريس الند التّجاري لجراس والمركز العالمي للعطور.  ولقد كانت دور العطور كلها متمركزة في باريس، مثل هوبيجان Houbigant (التي تنتج العطر المسمى بعض الزهور Quelques Fleurs  والتي مازالت تتمتع بالشعبية إلى حد اليوم)، لوبين Lubin ، روجيه وجاليه Roger & Gallet، وجرلين Guerlain .
وبعد وقت قصير، أصبحت التعبئة في القنينات أكثر أهمية. فأقام العطرجي فرانسوا كوتي Francois Coty شراكةَ مع ريني لاليك Rene Lalique .وبعد ذلك قام لاليك بإنتاج القناني لصالح جارلين Guerlain، دورسي D'Orsay، لوبين Lubin ، مولينار Molinard ، روجيه وجاليه Roger & Gallet  وغيرهم.والتحق بهم بعد ذلك بكارا Baccarat بإنتاج القنينة لصالح ميتسوكو (جرلين) Mitsouko (Guerlain) ، شاليمار(جرلين)  Shalimar (Guerlain) وغيرهم. وابتكر مصنع زجاج بروسBrosse glassworks   القنينة البارزةُ لصالح جين لانفينس آربيج Jeanne Lanvin's Arpege ، وشانيل5 Chanel No.5 المشهورة.
1921 - مصممة الأزياء غابريال تشانيل Couturier Gabrielle Chanel  تُطلق منتوجها العطري الخاص بها، الذي كان من ابتكار إيرنيست بو Ernest Beaux. وقد أطلقت عليه اسم  تشانيل5 لأنه كان الخامس في مجموعة العطور التي قدمها لها إيرنيست بو.وكان إيرنيست بو أول من اَستعملَ الألديهيدات في صناعة العطور. وبالفعل، فقد كان العطر تشانيل5 أول عطر يُنتج بالكامل اصطناعيا على نطاق تجاري واسع.
وشهدت فترة الثلاثنيات وصول العطور ذات النكهة الجلديةِ، كما أصبحت العطور الزهرية ذات شعبية بظهور طيب وورث Worth الذي سماه سأعود Je Reviens عام 1932،  وطيب  كارون Caron  المسمى زهور روكاي Fleurs de Rocaille  عام 1933، وعطر جان باتو    Jean Patou   المسمى   البهجة  Joy  عام  1935. وبوصول صناعة العطور الفرنسيةِ إلى ذروتها في الخمسينات، بدأ مصممون آخرون، مثل كريستيان ديور Christian Dior ، جاك فاث  Jacques Fath، نينا ريتشي Nina Ricci ، بيار بالمين Pierre Balmain. وغيرهم كثيرون في ابتكار العطور الخاصة بهم.
يتم تشكيل عطور اليوم من قبل عطرجيين تدربوا على التّقاليدِ الجماليةِ لعصر النهضة.  هؤلاء الحرفيين، الذين يَصْرفونَ سَنَوات في تعلم الصّنعةِ، ويتكلمون بشكل جذاب عن الأخلاط الثنائية لشذا الكهرمانِ مع الأزهار البيضاءِ. وبحلول سنة 2000 سَيَتكلّمُ العطرجييون بشكل روتيني عن أتباع الأعضاء الحساسة للمسك والصلات الجزيئية الرابطة الخاصة ببروتينات الأعضاء الحساسة للزهور.
تاريخ الكولونيا
لأن كلمةَ كولونيا cologne  هي في الحقيقة الاسم الفرنسي الذي أُعطىَ لمدينةُ  كولن  Köln الألمانية، فإنه َرُبَما يكون من الغريب إذن أن تكون أصول ماء الكولونيا   eau de cologne ذات جذور إيطالية في واقع الأمر. فلقد بدأ كل شيء مع جيان باولو فيمنيس Gian Paolo Feminis، وهو حلاق من فال فيجيزو Val Vigezzo، تركَ موطنه الإيطالي بحثا عن الثروة في ألمانيا.  وأثناء مقامه في ألمانيا، ابتكر ماءَ عطريا سماه الماء الرائع Aqua Admirabilis. ولقد صُنع هذا الماء من روح العنبِ، زيت النارولي [وهو زيت عطر يستخرج من زهر البرتقال]، الخزامى، وإكليل الجبل. وعند  إطلاقَ  هذا العطر عام 1709 تهافت عليه المستهلكون وأفرغوا رفوف صيدلية كولونيا منه بسرعة أجبرت جيان باولو على توظيف حفيده جيوفاني ماريا فارينا Giovanni Maria Farina، للمساعدة على تلبية الطّلبِ على العطر من قبل المستهلكين.وفي عام 1732، تولى الحفيد جيوفاني المهمة وسَوّقَ الإنتاج كمادة استهلاكية للعلاج من العديد من الأمراضِ، بدءا من أوجاعِ المعدةِ وانتهاء بنزيف اللثة.
وذاع صيت عبارة " الماء الرائع" خلال حربَ السَّنَوات السبع، تلك الحرب التي وقعت خلال منتصف القرن الثامن عشر، حيث قاتلت فيها بروسيا [روسيا البيضاء] إلى جانب بريطانيا ضد التحالف المكون من فرنسا، النمسا وروسيا. وربما تكون روسيا البيضاء وبريطانيا قد انتصرتا في المعركةِ، لكن فارينا ربح بعض الزبائن الجدد في كل من فرنساِ، والنمسا، وروسيا. لقد حمل هؤلاء الجنود معهم زجاجات إلى بلدانهم، وتم كل شيء- إنشاء سوقِ عالمية فورية.  ولقد كان الفرنسيون هم من سماه ماء كولونيا Eau de Cologne ، وأصبح العطر الخاص المفضل لإحدى عشيقات ملك فرنسا لويس الخامس عشر(وكانت  له عشيقات كثيرات!)، وهي الكونتيسة دو باري Comtesse du Barry .
وشهد القرن الثامن عشرُ طفرة ثورية في العطارةِ باختراعِ ماء الكولونيا. وكان هذا المزيج المنعش من إكليل الجبلِ، الزيت النارولي، البرغاموت، والليمون قَدْ استُعمل بطرقِ مختلفةِ ومتعددة: مُخَفَّفا في ماء الاستحمامِ، ممزوجا بالنّبيذِ، للأكل على كتلةِ سكرِ، كغسول للفمِ، كسائل لحقنة شرجية أو كمكوِّن لكمّادة، أو للحَقنَ بشكل مباشر. . . إلخ. ولقد اتسع تنوع حاوياتِ العطر في القرن الثامن عشرِ كاتساع تنوع العطور واستعمالاتها.  فالإسفنجات المنقوعة في خل الزينة المعطر كانت تُحفظ في القارورات المعدنية المثقبة المطلية بالذَهبِ.  وكانت العطور السائلة تُعبأ في زجاجات جميلة، إجاصية الشكل من طراز لويس الرابع عشر. ولقد أصبح الزجاج يزداد شعبية، خاصة في فرنسا مع افتتاحِ مصنعِ بكارا Baccarat عام 1765.
و وصلت كلمة نابليون( 1821- 1769) المدعمة لماء الكولونيا (كان يستهلك منه زجاجاتَ بأكملها كل يومِ!) إلى ألمانيا، مما حدا بفارينا إلى فتح دكان في باريس.ولكن، يظل التّقليد هو أصدق شكل من أشكال الإطراء. ولم يمض حين من الدهر حتى ظهر عدد من المقلدين في باريس وغيرها.ولم يتورع البعض الآخر حتى عن تبني أسماء فيمنيس/ فارينا!
وفي نهاية المطاف، باع فارينا الحقيقي، جان ماري فارينا، الصّيغة الكيميائية للطيب إِلى ليونس كولا Léonce Collas  وعاد إِلى إيطاليا. غير أن كولا، وَرثَ نفس المشاكلَ، وفي 1862 باع الصيغةِ إِلى روجيه و غاليه، وهو الذي يَملك اليوم الحقوق الشرعية لماء كولونيا الباريسي.  وبينما كان كل هذا يحدث، بقي قليل من آل فارينا وفيمينيسي في كولونيا واستمروا في تسويق مائهم العجيب.  وقامت واحدة من هذه السليلات الألمانيةِ، وهي جوهان فارينا ماريا، في وقت لاحق ببيع الصّيغة الكيميائية للطيب أكوا Aqua  إلى العطرجي ويلهيلم ملهينس Wilhelm Mülhens، وهو  أيضا من كولونيا الألمانية.وقام ملهينس بفتح معرضه عام 1792. واليوم، يتم بيع العطر التقليدي المعروف باسم ماء كولونيا تحت اسم 4711، وهو أقدم وأكثر العطور استمرارية من حيث الإنتاج.
العطر في أوروبا
عرف العطرُ نجاحا منقطع النظير خلال القرن السابع عشر. فلقد أصبحت للقفازات المُعَطَّرة شعبية في فرنسا، وفي عام 1656 تم تأسيس نقابةِ صناع القفازات و العطرِ.وأصبح للعطر مكانته المرموقة عندما تربع لويس الخامس عشر على العرشِ في القرن الثامن عشر.وقد عُرف بلاطه باسم " البلاط المعطر" la cour parfumée .ولقد كانت مدام  (السيدة)  دي بومبادور Madame de Pompadour تشتري كميات ضخمة من العطر، وكان الملك لويس يطلب عطراً مختلفا لشقته كل يوم.وكان بلاط لويس الخامس عشر ذا صيت بسبب الرّوائحِ التي كَانتْ توضع يوميا ليس فقط على البشرة ولكن أيضا على الملابس والمراوح والأثاث. ولقد قام العطر مقام الصّابونِ والماء. وزاد استعمال العطرِ في فرنسا زيادة مطردة.
وبعد مجيء نابليون إلى السلطة، استمر الإنفاق الباهظ على العطرِ. وكان يتلقى كل أسبوعِ ربعي غالون [2,27 لتر] من ماء كولونيا البنفسج ويُقال عنه أنه كان يستعمل ستين زجاجةُ من الخلاصة المضاعفِة للياسمين كل شهر أما عشيقته جوزفين فكانت تميل إلى تفضيل أقوىِ العطور فهي كَانتْ تميل إِلى المسكِ، ولقد استعملتْ الكثير منه لدرجة أن الأريج ظل يتضوع في مخدعها ستين سنة بعد موتها.
ووصل العطر إلى قمة مجده في إنجلترا خلال حكمي الملك هنري الثامن والملكة إليزابيث الأولى فلقد كانت كل الأماكنِ العامّةِ تُعطر خلال حكم الملكةِ إليزابيث، حيث إنها لم تكن تتحمل الروائح الكريهة وكان يقال عنها بأن حدة أنفها لم يكن ليضاهيها غير خبث لسانها وكانت سيدات اليوم، يتباهين بتشكيل العطور المبهجة وكن يستعرضن حذاقتهن في مزج الروائح.
وكما هو الشأن مع الصّناعةِ والفنونِ، عرف العطر تغييراتِ عميقة في القرن التاسع عشرِ  فالتَغير في الأذواق والتَطَوّر الذي عرفته الكيمياءِ الحديثةِ وَضعا أسس صناعة العطور كما نَعْرفها اليوم وقد أدّى حلول الكيمياء الحديثة محل الكيمياءِ القديمة إلى خلق العطور الجديدة كما إن الثّورة الفرنسية  لم تقلل من ذوق الناس للعطر بأي شكل من الأشكال بل كان هناك عطر يسمى "عطر المقصلة "Parfum a la Guillotine . وبعد تولي حكومة ما بعد الثورة تَجاسر الناس مرة أخرى للتعبير عن ميلهم لبضائعِ الرّفاهيةِ ومنها العطر وظهرت بشكل غزير صناديقِ الزّهوِر العطرية في الـقرن التاسع عشر.
وفي أمريكا، كَانتْ الرّوائح الأولى تتمثل في أنواع الكولونيا والماء المعطر. وكان ماء فلوريدا وهو خليط غير معقد من ماء الكولونيا مع لمسة من زيت الفصوصِ القرفة الصينية، والعشب الإستوائي عطرا شعبيا.
العطر في العصور القديمة
اشتُقت كلمة عطر في اللغة الإنجليزية perfume من العبارةِ اللاتينيةِ،  per  بمعنى " خلال " و   fumus   التي تعني "دخان" وبعد ذلك أطلق الفرنسيون الاسم  parfum  على  الرّوائح اللّطيفةِ  التي  تنتقل عبر الهواءِ من البخور المُحترِقِ وهناك فتراتُ تاريخِية قليلة لَمْ تتأثر بالعطرِ. فتاريخ العطرِ غالباً ما كان يتشابك مع تاريخِ الجنس البشريِ.
كان البخور هو الشّكل الأول للعطرِ فلقد اكتُشف البخور أول مرة مِن قِبل قدماء العراقيين في حضارة مابين النهرين قبل حوالي 4,000  سنة ففي الحضارات العتيقة كان يُحرق العديد من أنواعِ الراتنجِ والأخشاب في مراسيمهم الدّينيةِ وكانوا غالباً ما يقومون بنقع الأخشاب العطرية والراتنج في الماءِ والزيت ثم يقومون بفرك أجسامهم بالسّائلِ وكانوا أيضا يحَنطون موتاهم بهذه العطورِ.
لقَدْ تَعلّمنَا من الكتابات الهيروغليفيةِ على القبورِ المصريةِ القديمةِ أن العطرِ لَعبَ دورا في حياةِ المصريين.فلقد دخل البخور إلى مصر حوالي سنة 3000 قبل الميلاد، وأصبح ذلك شعبيا بعد تولي الملكة حتشبوت العرش فلقد  قادتْ بعثات بحثا عن البخور والسّلعِ الثّمينةِ الأخرىِ و هو ما سُجل على جدران الهيكل الذي شُيد على شرفها في وقت لاحق وكان في الهيكلِ حديقةَ نباتات وقد مُلئت بأشجار البخور التي تم جلبها في هذه البعثاتِ كما وُجدت العطور داخل قبور الفراعنةِ المصريين ويُحتمل أن يكون استعمال العطور في الطقوس السرية سابقا لإحْراق البخور والأعشابِ الطيبة في المراسيم الدينية.
وحتى بِدايةِ العصر الذهبيِ لمصر، ظلت العطور تُستعمل فقط في الطّقوسِ الموجهة للآلهةِ أو الفراعنة أما في العهود الإنجيلية، فقد كان العطر يحظى بالتقدير العاليِ وهناك إشارةُ متكررةُ إلى العطر في الإنجيل ففي العهد الجديد [الإنجيل]، حمل الحكماء الثّلاثة هدايا الذّهبِ البخور ونبات المرّ إِلى الطفل عيسى المسيح عليه السلام وقبله بوقت طويل أمر الله تعالى موسى عليه السلام [كما جاء في العهد القديم (التوراة)] أن  "خذ لك عطوراً ميعة و أظفارا وقنة عطرة ...ولبانا نقيا...فتصنعها بخورا عطرا."
وعلى الأرجح، مازال عود البخور أكثر النباتات التي لمح إليها الإنجيل شهرة فالبخور المحترق كان امتيازا للكهان في الحضاراتِ الأولى ومازال  التّقليد قيد الاستعمال اليوم في الكنائسِ الكاثوليكية والكنائس الأسقفية البروتستانتية.
وأصبح البخور والمواد العطرية والزيت المعطر متوفرا لكل المصريين بعد أن تنازل الكهنة بشكل تدريجي عن حقوقهم الإمتيازية وأُمر المواطنون بتعطير أنفسهم على الأقل مرة كل أسبوع فقام  المصريون وهم ذوي عادات شخصيةِ صعبة الإرضاء بأَخذَ  حمامات مدروسة ومعقدة والتي كانت البداية الأولى لِمؤسسات الاسْتِحْمامِ الفاخرة عند  اليونانيين والرومانيينِ فقد كانوا يدهنون جلودهم بالزّيوتِ لأنها كانت تدخل عليهم المتعة كما كانت تسَاعدهم في حماية أجسامهم من التّأثيراتِ المجففة للشّمسِ المحرقة ولقد ابتكر المصريون العديد من الكريمات المعطرة ومرطبات البشرة وكانوا يُشكّلونها في أشكال مخروطِية ويَذُوبونها لكي يغطوا شعورهم وأجسامهم  فقد كان الاِسْتِحْمام ممتعا وفرحة اجتماعية وكان الاستحمام يصل أحياناً إلى ثلاث مرات يومياً.
كان المصريون يحملون العطر معهم من الولادةِ وحتى بعد موتهم وكان العديد من المصريين يَضعونَ عطورا في قبورهم ليحافظوا على جلودهم ناعمة كالحرير في الدار الآخرةِ وبما أن المصريين كانوا يعتقدون بأنّ الرّوحَ تصعد إلى السّماء فقد كان يرى أهل الميت أنه من الضروري أن يرَافقَ العطرِ روحَ الفقيد فكانت توضِع الأواني المطلية بالذهب والجرار المصنوعة من الفخار الناعم والعقيق الأبيض المملوءة بالمواد العطرية في القبورِ. وكَانتْ بعض من الزّيوتِ التي استُعملتْ قوية جدا لدرجة أنه حتى بعد 3,300 سنة بعد موت توت عنخ آمون كان بالإمكان اكتشاف أثر لطيب منبعث من مراهمِ في قوارير مختومة بإحكام عندما فُتِحَ القبرُ واستُعملت العطور خلال عملية التَحْنيطِ وكانت تأخذ من 40 إِلى 70 يوما لإكمالها! ولقَدْ تم استعمال نبات المرّ المطحون والقرفة الصينية وعطور أخرى في عمليةِ التَحْنيطِ.
على الأرجح بلغ استهلاك المواد العطرية ذروته خلال هذه الفترةِ المتميزة بالإسراف فقد كانت معارض العطور أماكن اجتماع شعبيةُ لكل شخصِ تقريباً وكان الحمّامِ اليوميِ نشاطَا مهماَ للمواطنِ اليونانيِ وكانت تُستعمل أنواع مختلفة من المراهمِ في آن واحد مع بعض الرّوائحِ خصيصا لأجزاءِ معينة من الجسم.  ويُنسب إلى اليونانيين فنِ صناعة أول عطرِ سائلِ ولو أنه كان مختلف تماماً عن العطرِ كما نَعْرفه اليوم.  فقد كَانتْ عطورهم مساحيقَ معطّرةَ ممزوجة بزيوتِ ثقيلةِ خالية من الكحول وكان السّائل يُخزنَ في زجاجاتِ طويلة الشكل مصنوعة من المرمرِ والذّهبِ.
وكان المصريونُ يتباهون بالحاوياتِ الجميلةِ التي كانت تحَمل عطورهم وكانت زجاجاتِ العطرِ هذه ذات جمال خلاب فلقد كانت تُصنع الحاويات من موادِ مثل المرمر والزجاج والأبنوس والخزف الصيني كما صُنعت بعض زجاجاتِ العطرِ من الذّهب والحجارةِ وعندما ظهر الزجاج لأول مرة في مصر حوالي سنة  1558  قبل الميلاد أصبحت له قيمة تفوق قيمة الجواهرِ.
سَمحتْ الظروف المناخية المناسبة لمصر باستيراد العديد من التّوابلِ والمواد العطرية من الهند مثل الزنجبيل، الفلفل، وخشب الصندل و ما زالَتْ مصر تحتل مكانة بارزة في إنتاج زيت العطرِ الأساسيِ وهي تستحوذ على قسم هام من إنتاجِ الياسمين في العالمِ ولقد أخذ قدماء اليونانيين والرومانيين معارفهم حول العطور من المصريين وكانت التجارة بين كريت ومصر جيدة وتعايشيةَ وكما هو الحال مع المصريين كانت الزّهرة الأكثر اعتبارا بالنسبة لسكان كريت هي زهرة الزّنبقَ وكان الورد شعبياَ أيضا وأَخذت الثقافة اليونانية وقتا لتتطوّرَ بعد  ثقافة كريت فقاموا باستِعْمال مواد متنوعة حاملة للطيب مستخرجة من الزيوت النباتيةِ مثل زيت الزيتون واللّوز، وأضافوا زيوتا أساسيةَ مستخرجة من الزّنابقِ، والورود، واليانسون، وجذر السوسن الفلورنسي. وعلى الرغم من حظر سابق على استعمال العطور في الـقرن السادس فإن الرجال والنِساء على السواء استعملوها بإسراف قبل وبعد الاستحمام خلال اليوم وعلى كل أجزاءِ الجسمِ.
كانت الحمامات العمومية الرّومانية رائعة، وكانت حمامات الإمبراطورِ كاراكالا الأكثر شهرة على الإطلاق فقد كانت هناك غرفة واحدة ذات رفوف عليها  قارورات من المراهمِ وجرار الزّيوتِ المعطّرةِ وخلاصات في زجاجات ذات أحجامِ مختلفة وانغمسَ الرومانيون في عادة استعمال العطرِ ثلاث مرات كل يوم كما كانت تُعطر الكلاب الأليفة والخيول.  وفي الاحتفالات، كانت تُطلق الطيور من أقفاصها لترش العطر من أجنحتها؛ وكانت أغطية الأثاث والشمعدانات، والمناضد، والوسائد تُعطر كلها.وكان الخدم يضعون المسكَ، العترة، مرهم الناردين، ومواد عطرية أخرى.
وبغزو الإسكندر الأكبر لمصر في الـقرن الثالث قبل الميلاد، صار استعمال العطرِ والبخور في اليونان واسع الانتشار أكثر ولقد تطرق الفيلسوف اليوناني  ثيوفراستوس الأثيني إلى مختلف المواد الحاملة للأريج والزّيوت الأساسية ومصادرها النباتية وحتى تأثير الرّوائحِ المختلفة على أمزجتنا وعلى عمليات التفكير لدينا كما بحث أيضا الكيفية التي نُدركُ بها الرائحةَ وأشار إلى الارتباط الموجود بين إدراكِ الرّوائح والذّوق.
ربما كانت كليوباترا أكثر حكام مصر شهرة فكليوباترا الخبيرة في قوةِ وسحر الأريجِ كَانت مسرفة في استعمالها للعطرِ فبعد اغتيالِ القيصر يوليوس تَركتْ روما لتصبحَ ملكة على مصر وهناك حَيّتْ مرقس أنطونيوس وهو سياسي روماني على باخرةِ بالأشرعةِ المُعَطَّرةِ وأُعلن عن وصول كليوباترا بسُحُب من العطرِ قبل أن يبدو مركبها للعيان. ووقع أنطونيوس في سحرها وبالفعل صار متيما بها لدرجة أنه قتل نفسه على إثر سماعه لإشاعة كاذبة عن موتها وبالمثل، قتلت كليوباترا نفسها بإثارةِ صِل للدغها بعد سماعها بموت أنطونيوس.
و أحاطت الحسناء المصرية نيفرتيتي وهي من سلالةِ سابقةِ، نفسها بالعطرِ: حاويات من شجر المرِّ وقنينات معبأة بزيوت طيبة وجرار من المراهم ذات زخارف رائعةِ.
ظلت شجرة أرز لبنان مشهورةَ عبر العصور فلقد استُعملت شجرة الأرز من قبل الملكَ [النبي] سليمان الحكيم عليه السلام في بناء الهيكلِ؛ واستُعمل زيت شجرة الأرز لدهن مخطوطاتِ ورق البرديِ لحمايتها من الحشراتِ في عهد الإمبراطورِ الرّوماني أوغسطس واليوم تُرْشُّ خزاناتِ الثياب بزيت شجرة الأرز لطرد حشرات العثة.
كان الفينيقيون السوريون هم التجارَ أو البائعون في العصر القديمِ.وكانت الأصماغ العطرية التي يتم جلبها برا من الصين تُشترى مِن قِبل الأوربيين الذين كانوا يستطيعون شراءها وكان امتلاك الأعشابِ ذات الروائح الطيبة دليلا على الثراء وكان وضع العطر علامة على المستوى الاجتماعي الرفيع وكان أصحاب الكمياتِ الكبيرةِ من الزّيوتِ والمراهمِ يحظون بالاحترام الكبير.
ويرجع الفضل في ربط ماضي صناعة العطر بحاضرها إلى العرب. فلقد تم تطوير عملية استخراج الزيوت من الزّهورِ بواسطة التّقطير،( وهي العملية الأكثر شيوعا في الاستعمال اليوم )، مِن قِبل الطبيب العربي ابن سينا، والذي كَانَ أيضا صيدليَا فلقد جرب الورد أولا وقبل اكتشافه هذا كانت العطور السائلة مزيجا من الزيت والأعشابِ المَسْحُوقةِ أو الأوراق التويجية التي كانت تشكل مزيجا قويا وكان ماء الورد أكثرَ رقّة وبسرعة أصبحَ يحظى بشعبية كبيرة.
وازدهرت العطور خلال حكم الملكة كاترين دي ميديسي في فرنسا فلقد جلبت كاترين عطارها الخاص ريني لي فلورنتين معها من إيطاليا وكان مختبرها موصولا بشقتها بممر سري حتى لا يمكن سرقة أية صيغة منه.